أخبار وتقارير

يوسف الفاشق.. استشهد شقيقه ورفضته الشهادة أربع مراتوتركته الأخيرة على مقعد متحرك

يمنات – خاص – الصحيفة الورقية – محمد الصلوي

بكفين نحيلتين يدفع يوسف عجلات كرسيه بصعوبة حتى يصل إلى حنفية الوضوء في جامع الساحة، ثم يمدهما ويفتح الصنبور، يطوي أصابعه فيما يشبه ملعقة كبيرة، ليست كبيرة جداً، فكفه وأصابعه جميعاً ضئيلة للغاية، ولا تكفي حين يملأها بالماء النازل من الحنفية لأكثر من رشفة صغيرة يبتلعها ويعيد مد يده بسرعة كي يشعر بالارتواء، لا تفيده تلك الطريقة، يستدير بكرسيه مجدداً ويعود للبحث عن وعاء صغير ليشرب منه، لدى يوسف، كما لدى أي شخص آخر، أن للكرسي والوعاء قيمة وصدقا أكثر من حكومة الوفاق الوطني.

ذلك الجسد الضئيل الذي يضطر طاهر المهيلي وفضل المغلس وعبد الرقيب الزريقي إلى حمله ومساعدة صاحبه على مكابدة الحياة اليومية في خيمة شهداء 15 أكتوبر الواقعة خلف منصة ساحة “التغيير”، يقترب من نهاية المدة التي أكد اختصاصيون في مستشفى جامعة هارد برغ الألمانية أنه بعدها لن يستعيد عافيته.

في خيمة شهداء 15 أكتوبر يقضي يوسف محمد علي الفاشق أيامه كاملة في انتظار ما يأتي من أحلامه، حسماً ثورياً، ومنحة علاجية تعيد إليه شبابه وحياته.. ليوسف أصدقاء عدة، لكن ثلاثة منهم فقط من يقضون أوقاتاً طويلة بجانبه، طاهر وفضل وعبد الرقيب يساعدون يوسف في التنقل ودخول المرحاض، وزيارة الشخصيات القيادية في المكونات الثورية، ورابعهم كرسيه المتحرك الذي لا يبدو أنه يعاني كثيراً أو يمل من حمل ذلك الجسد.

الـ15 من ديسمبر الحالي هو الموعد الذي حدده الأطباء في مستشفى جامعة هارد برغ الألمانية لوفاة الأعصاب المسؤولة عن حركة الساقين بعد أن قام بموافاتهم عبر الإنترنت بكافة التقارير والمعلومات التي تخص حالته، كان ذلك في أغسطس الماضي، وطوال الفترة من أغسطس وحتى الآن لم تحرك الجهات المسؤولة ساكناً إزاء حالة يوسف وما تقدم به من تقارير، ولم يهتم أحد فيها لأمر أعصابه التي أعاقتها طلقة في صراع 2011م.

قبل إصابته وما يزال يوسف في خيمته بساحة التغيير ينتظر موعداً آخر في نهاية الشهر الجاري لنقله إلى ألمانيا بعد صدور حكم من المحكمة الإدارية بأمانة العاصمة لتنفيذ قرار الحكومة بعلاج جرحى “الثورة” على نفقتها.

الإصابة التي وضعت يوسف في هذه الحالة لم تكن الأولى، كانت الرابعة والأخيرة في مسيرته الثورية، ربما لأنها كانت الأخطر فقد كانت الأخيرة، لأنها ألزمته الفراش وكرسيه المتحرك، ومنعته من الحركة، ففي الـ 29 من مايو العام الماضي، وخلال اقتحام قوات النظام ومرتزقته لساحة الحرية بتعز أصيب يوسف بطلقة نارية في الورك ألزمته الفراش لفترة وجيزة تعافى منها، وعاد إلى التواجد في الساحة والمسيرات الثورية، وأصيب بعد ذلك ثلاث مرات كانت الأخيرة هي الأقسى والأشد وطأة عليه.

ليوسف شقيق كان يدعى ناصر، صارت كلمة الشهيد لصيقة اسمه منذ أحداث الروضة، لكن مأساة يوسف أنه ما يزال حياً يدفع ثمن انضمامه للثورة، ويرى ما يعتريها من فساد وانحراف، حالته  الصحية التي أهملتها القوى التي انتفعت كثيراً من تضحيته وشقيقه وزملائهم هي أكثر الأدلة شهادة على هذا الفساد وذلك الانحراف.

يبلغ يوسف 24 عاماً، من مواليد محافظة تعز, مديرية مقبنة شمير، تخرج من كلية التربية في جامعة عدن ليحمل صفة مهندس معماري, متزوج ولديه طفل وحيد.

الطلقة التي أصابت يوسف وقيدت حركته غاصت في منطقة العجان مخترقة الظفيرة القطنية العصعصية، وسكنت في نخاع الحبل الشوكي أسفل الظهر، نُقل إثر الإصابة بها إلى مستشفى الروضة فقال الأطباء إنه تعرض لعطب في أعصاب الأقدام أفقدته الحركة وعطلت الوظيفة الذكرية.

بقي يوسف في مستشفى الروضة شهراً كاملاً تحت المراقبة، قبل أن يتم تحويله إلى مستشفى اليمن الدولي من أجل إجراء عملية جراحية لاستخراج الرصاصة من الحبل الشوكي، لكن المستشفى رفض ذلك كون العملية خطيرة جداً، وقد يترتب عليها مضاعفات خطيرة لأن المستشفى لا يحوي متخصصين في مثل هذه الجراحة.

غادر يوسف تعز إلى صنعاء حاملاً خطاباً من المستشفى الميداني في ساحة الحرية إلى المستشفى الميداني في ساحة التغيير حول وضعه الصحي، وتم تحويله من المستشفى الميداني الى مستشفى جامعة العلوم والتكنولوجيا من أجل مقابلة اللجنة التركية الطبية للترتيب لسفره إلى تركيا لإجراء العملية الجراحية هناك، يؤكد يوسف أنه الجريح الوحيد الذي حصل على تقرير من اللجنة الطبية التركية من بين كل الجرحى الذين قابلتهم اللجنة كون اصابته خطيرة جداً, وكان في قائمة المرشحين للسفر.

بعد أن غادرت اللجنة الطبية التركية اليمن قامت بإرسال طلبٍ من أجل تمكين يوسف من السفر  ضمن الجرحى الذين تم اختيارهم؛ إلا أن اللجنة الطبية اليمنية المكلفة بإرسالهم ردت على اللجنة التركية أن الجريح يوسف الفاشق سافر إلى دولة أخرى لتقلي العلاج في حين أنه لم يغادر صنعاء إلا إلى تعز لزيارة والدته وزوجته وطفله، كان هذا التزوير كما يقول يوسف من أجل استبدال اسمه بآخر من المنتمين إلى الجهات التي استفادت من الثورة لوحدها.

لم يتوقف يوسف عن المطالبة بحقه في العلاج، التقى لاحقاً باللجنة الطبية التي رفضت التعاطي مع التقارير السابقة الخاصة بالجرحى، وقامت بفحص الحالات من جديد وأصدرت بشأنها على تقارير جديدة، وبشأن حالة يوسف؛ أكدت اللجنة في تقريرها الخطورة التي يتعرض لها يوسف وصعوبتها، موصية بعلاجها في مركز متخصص في الخارج من خلال إجراء عملية جراحية، وطلب يوسف من اللجنة نقله إلى قطر وعلاجه هناك، لكن اللجنة رفضت التدخل.

التقى يوسف ومجموعة من الجرحى بتوكل كرمان بصفتها قيادية في الثورة وحائزة على جائزة نوبل للسلام، وبإمكانها تقديم العون لهم خصوصاً لدى تركيا وقطر؛ وأوضحوا لها أن السفر للعلاج في تركيا لا يحصل عليه سوى من يحظون بالانتماءات الحزبية والوساطات، إلا أن توكل هدمت كل شيء بطلبها منهم استخراج تقارير طبية جديدة، رافضة التعاطي مع التقارير السابقة، وبرغم أن يوسف اتجه إلى مستشفى الكويت لاستخراج تقارير جديدة؛ إلا أن شيئاً جديداً لم يحدث.

اعتصم يوسف وعددٌ من زملائه الجرحى أمام رئاسة الوزراء, وحصلوا على خطاب منه إلى وزارة الصحة التي طلبوا منها التوجيه لمستشفى الثورة بعلاجهم كأقل عمل يمكنها تقديمه لهم، إلا أن وزير الصحة شكَّل لجنة بقيادة الدكتور عبد الله دحان لمتابعة الأمر، وتم إرسال يوسف إلى مستشفى الثورة من أجل إجراء فحوصات جديدة والحصول على تقارير جديدة أيضاً، وفي كلِّ مرة كان اسم يوسف يتصدر قائمة المرشحين للسفر لعلاجهم في الخارج، إلا أنه لم يحصل على شيء،  رفعت اللجنة المكلفة من وزير الصحة أسماء الجرحى الى رئاسة الوزراء من أجل اتخاذ باقي الإجراءات، وكان اسمة من بين الـ 16 جريحاً المطلوب سفرهم للعلاج في الخارج, لكن رئيس الوزراء رفض التوقيع على التقارير ليعود يوسف وزملاؤه للاعتصام من جديد أمام رئاسة الوزراء دون جدوى.

ومرة أخرى عاد إلى وزير الصحة الذي قام برفع 22 اسماً من أسماء الجرحى وكان اسمه من بينهم  إلى رئاسة الوزراء, لكن رسالة وزير الصحة ضاعت في دهاليز مبنى الحكومة.

توفي اثنان من زملاء يوسف من المرشحين للسفر, وثالث بدأت الديدان بنهش جسده، فيما دخل هو في حالة شلل نصفي بسبب الرصاصة المستقرة في حبله الشوكي، فبدأ هو وعددٌ منهم في نهاية أبريل وأوائل مايو الماضيين اعتصاماً على منصة ساحة التغيير.

يقول يوسف إن مفاد رسالة الاعتصام فوق منصة ساحة التغيير إنه “لا يليق بثورتنا التي خرجنا وضحينا من أجلها مطالبين بالحرية والمساواة والكرامة أن تترك من ضحى وقدم دمه وروحه بهذا الشكل المهين”، لكن الإهانات استمرت أكثر.

بدأ حراس منصة الساحة والقائمون عليها بمضايقة المعتصمين بالشتائم والسباب ورميهم بالتهم بالعمالة للنظام السابق، ومع تعاطي الناس وتعاطفهم مع قضيتهم؛ لجأ الحراس إلى  الاحتيال على الجرحى المعتصمين، فعرضوا عليهم النزول من المنصة مقابل معالجتهم, وبعد نزولهم طلبوا منهم الإتيان بتقارير تؤكد حالاتهم الصحية، خرج يوسف الى المستشفى الميداني وأتى بتقرير عن حالته في نفس اليوم، لكنهم قابلوه بالسب والشتم  والسخرية.

عاد يوسف وزملاؤه للاعتصام فوق المنصة، لكن حراس المنصة اعتدوا عليهم بالهراوات  والأسلحة البيضاء وقاموا بطردهم من على المنصة، ولما كان يوسف يعاني من شلل نصفي وغير قادر على الهرب؛ فقد قام الحراس بعد ضربه بحمله من يديه وساقيه ورميه من على المنصة إلى الأرض بكل طمأنينة، ونال القسط الأوفر من الاعتداءات التي نفذتها اللجنة الأمنية في الساحة.

تعيش عائلة يوسف أوضاعاً معيشية صعبة، كون عائلهم مصابا وليس لهم عائل سواه ووالده الذي يعمل فلاحاً فقير في القرية.

كسب يوسف وزملاؤه بمساعدة جبهة إنقاذ الثورة دعوى قضائية ضد حكومة الوفاق في المحكمة الإدارية منتصف نوفمبر الماضي بتكفل الحكومة معالجة جميع الجرحى في المستشفيات المتخصصة في الخارج وتحملها غرامة مالية للجرحى، لكن حتى هذا الحكم، وبرغم قبول الحكومة به وموافقتها على تنفيذه، إلا أن حياة يوسف ومستقبله ما زالا في خطر كبير.

من المقرر أن يغادر يوسف وعدد من رفاقه نهاية الشهر الجاري إلى ألمانيا وكوبا لتلقي العلاج هناك، لكن قبل هذا الموعد ثمة احتمال كبير –بحسب أطباء وخبراء في المستشفى الألماني أن يفقد يوسف القدرة على العودة إلى حالته الطبيعية كما كان.

زر الذهاب إلى الأعلى